فصل: الدليل الثاني: آية الحجاب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: حراسة الفضيلة **


 الدليل الثاني‏:‏ آية الحجاب

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنـَاه ولكن إذا دُعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا ‏.‏ إن تبدوا شيئًا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليمًا ‏.‏ لا جُناح عليهن في آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخوانهنَّ ولا أبناء إخوانهنَّ ولا أبناء أخواتهنَّ ولا نسائهنَّ ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيءٍ شهيدًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53ـ55‏]‏ ‏.‏

الآية الأولى عُرفت باسم‏:‏ آية الحجاب؛ لأنها أول آية نزلت بشأن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، وكان نزولها في شهر ذي القعدة سنة خس من الهجرة ‏.‏

وسبب نزولها ما ثبت من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ قال عمر ـ رضي الله عنه ـ قلت‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب‏.‏ رواه أحمد والبخاري في الصحيح ‏.‏

وهذه إحدى موافقات الوحي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهي من مناقبه العظيمة‏.‏

ولما نزلت حجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه نساءه عن الرجال الأجانب عنهن، وحجب المسلمون نساءهم عن الرجال الأجانب عنهن، بستر أبدانهن من الرأس إلى القدمين، وستر ما عليها من الزينة المكتسبة، فالحجاب فرض عام على كل مؤمنة مؤبد إلى يوم القيامة، وقد تنوعت دلالة هذه الآيات على هذا الحكم من الوجوه الآتـيـة‏:‏

 الوجه الأول‏:‏ لما نزلت هذه الآية حجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءه

وحجب الصحابة نساءهم، بستر وجوههن وسائر البدن والزينة المكتسبة، واستمر ذلك في عمل نساء المؤمنين، هذا إجماع عملي دال على عموم حكم الآية لجميع نساء المؤمنين، ولهذا قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية ‏[‏22/ 39‏]‏‏:‏ ‏{‏وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ يقول‏:‏ وإذا سألتم أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا، فاسألوهن من وراء حجاب، يقول‏:‏ من وراء ستر بينكم وبينهن ‏.‏‏.‏ انتهى ‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ في قول الله تعالى في آية الحجاب هذه‏:‏ ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ علة لفرض الحجاب في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فاسألوهن من وراء حجاب‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ بمسلك الإيماء والتنبيه، وحكم العلة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة مطلوبة من جميع المسلمين، فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب الأولى من فرضه على أمهات المؤمنين، وهن الطاهرات المبرآت من كل عيب ونقيصة رضي الله عنهن‏.‏

فاتضح أن فرض الحجاب حكم عام على جميع النساء لا خاصًا بأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن عموم علة الحكم دليل على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم‏:‏ إن هذه العلة‏:‏ ‏{‏ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ غير مرادة من أحد من المؤمنين‏؟‏ فيالها من علة جامعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا إذا قام دليل على التخصيص، وكثير من آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها، وقَصْرُ أحكامها في دائرة أسبابها بلا دليل تعطيل للتشريع، فما هو حظ المؤمنين منها‏؟‏

وهذا ظاهر بحمد الله، ويزيده بيانًا‏:‏ أن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة، هي أن خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة؛ للاستواء في أحكام التكليف، ما لم يرد دليل يجب الرجوع إليه دالًا على التخصيص، ولا مخصص هنا، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مبايعة النساء‏:‏ ‏(‏إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة‏)‏‏.‏

الوجه الرابع‏:‏ زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمهات لجميع المؤمنين، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأزواجه أمهاتهم‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 6‏]‏، ونكاحهن محرم على التأبيد كنكاح الأمهات‏:‏

{‏ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏53‏]‏، وإذا كانت زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك، فلا معنى لقصر الحجاب عليهن دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحجاب عامًا لكل مؤمنة، مؤبدًا إلى يوم القيامة، وهو الذي فهمه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما تقدم من حجبهم نساءهم ـ رضي الله عنهن ـ

 الوجه الخامس‏:‏ ومن القرائن الدالة على عموم حكم فرض الحجاب

على نساء المؤمنين‏:‏ أن الله سبحانه استفتح الآية بقوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ وهذا الاستئذان أدب عام لجميع بيوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره ‏[‏3/505‏]‏‏:‏

حُظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله‏:‏ ‏(‏إياكم والدخول على النساء‏)‏ الحديث ‏.‏‏.‏ انتهى ‏.‏

ومَن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي ـ صلى اللله عليه وسلم ـ لزمه أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك، ولا قائل به‏.‏

 الوجه السادس‏:‏ ومما يفيد العموم أن الآية بعدها

‏:‏ ‏{‏لا جناح عليهن في آبائهن‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 55‏]‏‏.‏ فإن نفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم إجماعًا، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير محجبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجب على المرأة الاحتجاب عنهم ‏.‏

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية ‏[‏3/506‏]‏ ‏:‏ ‏(‏لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏النور‏:‏31‏]‏ انتهى ‏.‏

وتأتي الآية بتمامها في الدليل الرابع، وقد سمّاها ابن العربي ـ رحمه الله تعالى ـ ‏:‏ آية الضمائر؛ لأنها أكثر آية في كتاب الله فيها ضمائر‏.‏

 الوجه السابع‏:‏ ومما يفيد العموم ويبطل التخصيص ‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونساء المؤمنين‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏‏.‏ وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب على نساء المؤمنين على التأبيد‏.‏